السويس المصرية: من المقاومة إلى السينما في رحلة فنية ملهمة
تحت عنوان "سينما السويس"، صدر كتاب جديد يستعرض ملامح مدينة السويس المصرية كحاضرة للفن والمقاومة، حيث تحظى بخصوصية فنية وثقافية فريدة تجمع بين البطولة والإبداع السينمائي.
تراث سينمائي عريق يمتد لأكثر من قرن
لم تقتصر مكانة السويس على كونها رمزاً للمقاومة والصمود خلال فترات مهمة من تاريخ مصر، بل كانت أيضاً منارة مبكرة للفن والثقافة. في القلب من هذا التراث، شكّلت السينما جزءاً من وجدان أهل المدينة، وقوة ناعمة ارتبطت بالدفاع عن الوطن.
يستعرض الكتاب، الذي ألفه الكاتب عبدالحميد كمال، رحلة السويس السينمائية منذ فيلم "وادى الملوك" وحتى فيلم "السرب"، حيث ظلت المدينة حاضرة على الشاشة كرمز للوطنية المصرية.
بدايات السينما في السويس
تأسست أول دار عرض سينمائي في السويس عام 1921 تحت اسم سينما "شانتكلير"، على يد جوزيف واجحيان اليوناني. كانت السينما تقع أمام كنيسة العذراء بشارع سعد زغلول، وضمت قاعتين للعرض الصيفي والشتوي.
بلغ عدد دور العرض السينمائي في السويس 14 داراً قبل ثورة يوليو 1952، وهو رقم كبير مقارنة بإجمالي عدد السينمات في مصر وقتها والذي بلغ 255 داراً فقط.
شركة السويس للسينما: تجربة إنتاجية رائدة
في عام 1949، تأسست شركة السويس للسينما على يد ابن المدينة حنفي محمود بالشراكة مع أحمد عبد الرازق. قدمت الشركة ثلاثة أفلام مهمة هي "نهارك سعيد" (1955)، "مدرسة البنات" (1955)، و"دعوة المظلوم" (1956).
شارك في بطولة هذه الأفلام كبار نجوم تلك المرحلة، من بينهم نعيمة عاكف، كمال الشناوي، عمر الحريري، زهرة العلا، شادية، وعبد السلام النابلسي.
تحديات الحرب وإعادة الإعمار
دمّر العدوان الإسرائيلي عام 1967 عدداً كبيراً من دور العرض، منها سينما رجب وسينما ناصر وأوبليسك، فيما تحولت أخرى إلى أبراج سكنية ومحلات تجارية بعد الحرب، لتفقد السويس جزءاً من ذاكرتها الثقافية.
رغم ذلك، استمر عشق أبناء السويس للفن السابع، حيث كانت دور العرض تُعتبر ملتقى للفنانين والمثقفين، وشهدت المدينة زيارات متكررة لنجوم مثل إسماعيل ياسين ابن السويس والمخرج خالد الحجر.
السويس على الشاشة الكبيرة
ارتبط اسم السويس بعدد كبير من الأفلام التي تناولت الحرب والصمود والهجرة، من أبرزها: "السويس مدينتي"، "ثرثرة فوق النيل"، "الخوف"، "العمر لحظة"، "كتيبة الإعدام"، "حكايات الغريب"، و"أحلام صغيرة".
كما أنتجت القوات المسلحة والهيئات الوطنية العديد من الأفلام التسجيلية والوثائقية التي وثّقت تاريخ المقاومة الشعبية والتضحيات البطولية لأبناء المدينة.
محاولات الإحياء والتطوير
تشهد السويس في السنوات الأخيرة محاولات لإحياء النشاط السينمائي من خلال مهرجانات ومسابقات مثل مهرجان "سواسية" السينمائي الأول، ومسابقة إسماعيل ياسين للأفلام القصيرة، ومهرجان السخنة للأفلام القصيرة جداً.
تبقى هذه المبادرات بمثابة رسالة أمل نحو استعادة دور السويس التاريخي كمدينة تجمع بين البطولة والفن، بين المقاومة والثقافة، مؤكدة أن المدينة التي انتصرت في الحرب ستنتصر أيضاً في معركة الوعي والفن.
دروس للتنمية الثقافية
تقدم تجربة السويس السينمائية نموذجاً ملهماً للمدن العربية في كيفية الجمع بين التراث والحداثة، وتوظيف الفن كأداة للتنمية الثقافية والسياحية. هذا النهج يتماشى مع رؤى التنمية المستدامة التي تتبناها دول المنطقة لتعزيز الصناعات الإبداعية.